17

Dec

إذا عادت الحرب بين إثيوبيا وإرتريا… فستنشب بسبب هوس سياسي أسمراوي لا بسبب جغرافيا إثيوبيا

تتداول بعض التحليلات بشكل متزايد توقعًا لتجدد الصراع بين إثيوبيا وإرتريا، وغالبًا ما يتم اختزاله إلى مسألة الوصول إلى البحر. إذ يفترض المعلقون تقريبًا تلقائيًا أن الوضع الحبيس للبر الذي تعيشه إثيوبيا يجعلها راغبة في استعادة الموانئ. لكن هذا التفسير يتفكك عند أي تحليل دقيق. فقد استمرت التوترات بين الدولتين حتى خلال الفترات التي قبلت فيها إثيوبيا فعليًا فقدانها الوصول البحري بعد انفصال إرتريا عام 1993 – دون مفاوضات شرعية أو مطالبات بالتعويض أو ضمانات مستقبلية من النظام الإرتري.

إن الاحتكاك المستمر بين أديس أبابا وأسمرا لم يكن نتيجة جغرافيا إثيوبيا، بل كان انعكاسًا لطبيعة النظام السياسي الإرتري: أنماط الاستفزاز، العداء الأيديولوجي، والتخريب الخفي – وهي أنماط سبقت اللحظة الراهنة وعرفت العلاقة الثنائية منذ بدايتها.

تكمن المفارقة في تناقض تاريخي نادرًا ما يُناقش في الساحة العامة: فقد تحقق استقلال إرتريا ليس عبر تفاوض متكافئ مع إثيوبيا، بل من خلال قرارات أحادية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF) في أديس أبابا. الحركة التي خاضت نحو عقدين من الكفاح المسلح جنبًا إلى جنب مع جبهة تحرير شعب إرتريا (EPLF، حاليًا PFDJ) انتصرت في الحرب الأهلية الإثيوبية، ومنحت إرتريا الاستفتاء على الانفصال، متنازلة عن الموانئ التاريخية لإثيوبيا وموافقة على جميع مطالب أسمرا. وقد تم ذلك باسم التضامن الثوري والضرورة الأخلاقية للتعايش – حتى لو كان غير متكافئ – وكان الهدف إخراج إثيوبيا من عقدين من النزاعات المستمرة.

لكن بعد سنوات قليلة، أعلن النظام الإرتري نفسه العداء السياسي والعسكري ضد إثيوبيا. لم يكن هذا التحول مجرد حدث درامي؛ بل كشف عن صلابة أيديولوجية وخصومات شخصية تجاه الدولة الإثيوبية، كانت كامنة حتى أثناء صراع الاستقلال. وقد كانت حرب 1998–2000، رغم تصويرها أحيانًا على أنها نزاع تكتيكي، في جوهرها خطأً استراتيجيًا: إذ افترضت إرتريا أن المواجهة مع TPLF وحدها، وأن إثيوبيا كدولة ستظل غير نشطة، وأن ضربة حاسمة قد تؤمن السيطرة الإرترية على مسار الدولة الإثيوبية. وكان هذا سوء تقدير للواقع السياسي الإثيوبي أحد أبرز الأخطاء الاستراتيجية في القرن الأفريقي الحديث.

لم يخفّ عداء إرتريا بعد توقيع اتفاقية الجزائر، بل تحول إلى استراتيجية مستمرة لتقويض حكم TPLF. على مدى عقود، عملت إرتريا كعامل خارجي مخل: رعت حركات تمرد بالوكالة، وزادت الانقسامات الداخلية، ووسعت نفوذها لإضعاف القوة السياسية التي سهّلت استقلالها. وأصبحت الشبكات الإرترية وكلاء للتخريب داخل إثيوبيا، هدفهم ليس نزاعات حدودية أو مطالب بحرية، بل زعزعة الدولة نفسها. كان هذا هوسًا سياسيًا – تصميمًا طويل الأمد للقضاء على TPLF وإعادة EPLF/PFDJ إلى قلب المشهد السياسي الإثيوبي.

وقد ظهر هذا الهوس بشكل واضح خلال صراع تيغراي في إثيوبيا. فالتدخل الإرترى لم يكن دعمًا ثانويًا أو رد فعل محدودًا كما زعم البعض، بل كان استمرارًا للعداء التاريخي تجاه إثيوبيا في سياق سياسي جديد – محاولة متعمدة للانتقام من TPLF ولتشكيل مستقبل إثيوبيا في مرحلة ما بعد TPLF. وأظهرت العمليات الإرترية استهداف قيادة TPLF والمدنيين التيغرايين، بدافع أقدم من الظروف الاستراتيجية الحالية، مرتبط بمظالم منذ الانفصال وما بعده.

وبعد صراع تيغراي، زادت مرحلة الانتقال الإثيوبية من هذه الديناميكيات. فسعت إرتريا لاستغلال ضعف الدولة لتشكيل النتائج السياسية الإثيوبية، مسلحةً ومعلمةً الفصائل المعارضة للحكومة الفيدرالية، رغم أوامر الانسحاب التي صدرت لها، واتفاقية السلام في بريتوريا مع TPLF. وكشف التفاهم المؤقت أن سلوك إرتريا لم يكن معادياً لـ TPLF فحسب، بل كان معادياً لإثيوبيا ككل، قوة مهددة لا تعير اهتمامًا للتماسك الوطني.

وتشكل التحولات السياسية الأخيرة في إرتريا، بما في ذلك الإطار الناشئ “Tsimdo”، امتدادًا لهذا التاريخ الطويل من التدخل غير المشروع والتخريب وعدم الثقة. فهذه التطورات ليست رد فعل على الطموحات البحرية أو المسائل الإقليمية، بل استمرار لعقود من التدخل الإرتري في السياسة الإثيوبية. إن القلق الاستراتيجي لإثيوبيا لا يكمن في الجغرافيا، بل في التنبؤ بسلوك الدولة المجاورة: هل ستتصرف وفق الأعراف الدبلوماسية، أم وفق عداءات أيديولوجية راسخة لا تبالي بالتكاليف؟

وفي العودة إلى الفكرة الأساسية: إذا اندلعت الحرب مجددًا بين إثيوبيا وإرتريا، فلن يكون السبب فقدان إثيوبيا لموانئها التاريخية بعد انفصال إرتريا قبل عقدين. فقد تعاملت إثيوبيا مع هذا الواقع لسنوات، قبل أن تستعيد مؤخرًا الساحل التاريخي. إن عداء إرتريا المتجدد تجاه إدارة آبي أحمد سبق السعي الإثيوبي للوصول البحري السيادي. لم تظهر أي توترات خلال احتفالات السلام 2018، لكنها نشأت فقط بعد تقليص إثيوبيا للتدخل الإرترى في شؤونها الداخلية. وعلى النقيض، شنت إرتريا حربًا ضد حكومة TPLF عام 1998، الجهة التي سهّلت استقلالها وأتاحت لها قطع ساحل إثيوبيا، بينما واصلت التخريب لعقود. وتوضح هذه الحقائق مدى تأسيس إرتريا لهويتها السياسية واقتصادها السياسي على نقاط ضعف إثيوبيا الداخلية.

ما لا يمكن لإثيوبيا – ولا لأي دولة – تحمله هو جار يواصل تقويض النظام السياسي، ويعيد إحياء الخصومات التاريخية بذرائع جديدة، ويعامل الاستقرار الإقليمي كأمر قابل للتضحية. فالموانئ لا تشعل الحروب. الهوس السياسي هو ما يشعلها. وفي القرن الأفريقي، لم يكن العامل المزعزع الرئيسي فقدان الساحل، بل تصميم إرتريا المستمر على إعادة تشكيل المستقبل السياسي الإثيوبي وفق مظالمها غير المحلولة. البحر مجرد إلهاء؛ أما القصة الحقيقية فهي سياسية، شخصية، وأعمق أثرًا بكثير.

بقلم: تحرير Horn Review

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

RELATED

Posts